ما هو العزم الذي مدح الله به خيار خلقه؟
العزم الذي مدح الله به خيار خلقه، كقوله: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [سورة الأحقاف: 35]. هو قوة الإرادة وجزمها على الاستمرار على أمر الله، والهمة التي لا تني ولا تفتر في طلب رضوان الله، وحسن معاملته، وتوطين النفس على عدم التقصير في شيء من حقوق الله؛ ولذلك لام الله آدم -عليه السلام- بعدم استمراره على الأمر، وحصول الاغترار منه لعدوه بأكل الشجرة التي عهد الله له بالامتناع من أكلها، فقال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [سورة طه: 115]، فحصول الفتور وفلتات التقصير مناف كمال العزم؛ ولهذا لم يكن كمال هذا الوصف إلا لمن بلغوا الدرجة العالية في الفضائل.
والنقص إنما يصيب العبد من أحد أمرين:
1- إما من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير.
2- وإما من عدم ثباته واستمراره على عزمه.
ولهذا كان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)[1] من أنفع الأدعية وأجمعها للخيرات، فمن أعانه الله على نية الرشد والعزيمة عليها، والثبات والاستمرار؛ فقد حصل له أكبر أسباب السعادة.
والناس في هذا المقام درجات بحسب قيامهم بهذين الأمرين.
وحسْب ذي الفضل فضلًا أن تكون العزيمة على الرشد وصفه، وآثارها من العلم والعمل نعته، وإذا حصل له نوع فتور وخلل في هذا المأمور؛ رجع إلى أصله وأخبته، وداوى هذا الداء بالتذكُّر والاستغفار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [سورة الأعراف: 201]، أي: تذكَّروا الخلل الذي دخل عليهم من الشيطان، والنقص الذي حصل لهم به الخسران، فأبصروا ذلك، فبادروا إلى سده، والعود إلى ما عوَّدهم وليُّهم من لزوم الصراط المستقيم. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه آمين.